كتب مراسل عرب نيوز أن الحكومة المصرية سعت إلى طمأنة الرأي العام مع اقتراب برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي من عامه الأخير، إذ أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الأهداف المتفق عليها مع الصندوق حتى نهاية البرنامج لا تمس حياة المواطن المصري، ولا تتضمن فرض أعباء جديدة في قطاعات الطاقة، بما يشمل البترول والغاز الطبيعي.
جاءت هذه التصريحات في سياق اقتصادي بالغ الحساسية، تعاني فيه مصر ضغوطًا معيشية حادة، وتراجعًا في القدرة الشرائية، إلى جانب تدهور إنتاج الغاز الطبيعي وانحسار مرحلة الاكتفاء الذاتي التي تحققت مؤقتًا بعد اكتشاف حقل ظهر، ما زاد من حساسية أي حديث عن إجراءات تقشفية جديدة، خصوصًا في ملف الطاقة.
مراجعات صندوق النقد ومحاولة تبديد المخاوف
تحدث مدبولي خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء في العاصمة الإدارية الجديدة، مؤكدًا أن صندوق النقد الدولي أنهى بالفعل المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج الإصلاح الاقتصادي. وسعى رئيس الوزراء إلى نفي التكهنات التي راجت حول نية الحكومة رفع أسعار الطاقة أو تحميل المواطنين كلفة إضافية، معتبرًا أن ما يجري تداوله لا يستند إلى ما جرى الاتفاق عليه مع الصندوق.
شرح بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء أن البرنامج سينتهي خلال عام تقريبًا، وأن المرحلة الحالية تركز على متابعة مستهدفات المراجعتين المنجزتين، إلى جانب الاتفاق على مستهدفات المراجعتين السابعة والثامنة، اللتين تطلبتا جهدًا تفاوضيًا أكبر من جانب الحكومة للوصول إلى صيغة تفاهم مع الصندوق. عكست هذه التصريحات حرص الحكومة على تقديم صورة منضبطة عن مسار التفاوض، في ظل مناخ داخلي مثقل بآثار التضخم وتراجع قيمة الجنيه.
مؤشرات مالية إيجابية وسط اقتصاد مأزوم
أشاد صندوق النقد، وفق مدبولي، بجهود الاستقرار الاقتصادي التي تبذلها مصر، مشيرًا إلى تحسن مؤشرات ميزان المدفوعات وتقلص عجز الحساب الجاري رغم الصدمات الخارجية المتلاحقة. أرجع رئيس الوزراء هذا التحسن إلى نمو الصادرات غير النفطية وتحسن الأداء المالي، لافتًا إلى تحقيق فائض أولي بلغ 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2024-2025.
ربط مدبولي بين هذه التقييمات وتدفقات الاستثمار الأجنبي، موضحًا أن المستثمرين الدوليين يتابعون تقارير صندوق النقد بدقة عند اتخاذ قراراتهم. واستشهد كذلك بتقرير لوكالة موديز أشار إلى تراجع معدل التضخم السنوي إلى 12.5 في المئة في أكتوبر، ومرونة سعر الصرف، وتراجع أوضح في عجز الحساب الجاري، إلى جانب توقعات بنمو اقتصادي أقوى خلال الفترة المقبلة.
غير أن هذه المؤشرات الإيجابية تأتي، بحسب مراقبين، في سياق اقتصادي أوسع لا يزال يعاني من اختلالات هيكلية، أبرزها أزمة الطاقة. فقد تراجع إنتاج الغاز الطبيعي خلال الأعوام الأخيرة، وعادت مصر إلى الاستيراد بعد فترة قصيرة من الاكتفاء الذاتي، ما فرض أعباء إضافية على الميزان الخارجي وزاد من حساسية أي التزامات مالية جديدة.
السياحة والتحويلات والطاقة في قلب المعادلة
تطرق مدبولي إلى التدفقات الخارجية، مشيرًا إلى أن تحويلات المصريين في الخارج بلغت نحو 34 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بـ23.7 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق. وتوقع ارتفاع الصادرات السلعية غير النفطية بأكثر من 20 في المئة خلال 2025 مقارنة بعام 2024، في محاولة لتعويض الضغوط الناجمة عن فاتورة الاستيراد، وفي مقدمتها واردات الطاقة.
أكد رئيس الوزراء أن السياحة تمثل ركيزة أساسية في خطة النمو، موضحًا أن مصر استقبلت نحو 18.8 مليون سائح في 2025، مقارنة بنحو 15 مليونًا في 2024، مع استهداف الوصول إلى 30 مليون سائح بحلول 2030. وربط هذا الهدف بخطط توسيع الطاقة الاستيعابية لقطاع الطيران، بما في ذلك مضاعفة أسطول مصر للطيران وشركات الدولة الأخرى خلال عامين أو ثلاثة.
أشار مدبولي كذلك إلى نشاط الاستثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث وقعت المنطقة اتفاقيات جديدة باستثمارات تتجاوز 1.15 مليار دولار، تشمل مشروعات في سلاسل إمداد الطاقة الشمسية. ورغم هذا التوسع، يبقى ملف الطاقة التقليدية، ولا سيما الغاز، عنصر ضغط رئيسي، في ظل تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع كلفة الاستيراد.
من جانبه، وصف وزير المالية أحمد كجوك مفاوضات صندوق النقد بأنها إيجابية للغاية، معتبرًا أنها تعكس نتائج مالية جيدة وإمكانات كامنة في الاقتصاد المصري. وأكد أن توسيع القاعدة الضريبية رفع الإيرادات بنحو 35 في المئة من دون فرض أعباء إضافية على مجتمع الأعمال، مع التزام الحكومة بخفض الدين العام وتوسيع الإنفاق الاجتماعي الموجه للصحة والتعليم والدعم النقدي، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين الإصلاح المالي والضغوط المعيشية.
https://www.arabnews.com/node/2627422/business-economy

